فصل: بيعة الحجاز للمأمون.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بيعة الحجاز للمأمون.

ولما أخذ الأمين كتب العهد من مكة وأمر داود بن عيسى وكان على مكة والمدينة بخلع المأمون قام في الناس ونكر نقض العهد وذكرهم ماأخذ الرشيد عليهم من الميثاق لابنيه في المسجد الحرام أن يكونوا على الظالم وأن محمدا بدأ بالظلم والنكث وخلع أخويه وبايع لطفل صغير رضيع وأخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظلما ثم دعا إلى خلعه والبيعة للمأمون فأجابوه نادى بذلك في شعاب مكة وخطبهم وكتب إلى ابنه سليمان بالمدينة بمثل ذلك ففعله وذلك في رجب سنة ست وتسعين وسار من مكة على البصرة وفارس وكرمان إلى المأمون وأخبره فسر بذلك وولاه مكانه وأضاف إليه ولاية عك وأعطاه خمسمائة ألف درهم وسير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى على الموسم ويزيد بن جرير بن مزيد بن خالد القسري في جند كثيف عاملا على اليمن ومروا بطاهر وهو محاصر بغداد فأكرمهم وأقام يريد اليمن فبايعوه للمأمون وأطاعوه.

.حصار بغداد واستلاء طاهر عليها ومقتل الأمين.

ولما اتصلت بالأمين هذه الأحوال وقتل الحسين بن علي بن عيسى شمر لحرب طاهر واستعد له وعقد في شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة شتى وأمر عليهم علي بن محمد بن عهيسى نهيك وأمرهم بالمسير إلى هرثمة فساروا إليه والتقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموا وأسر قائدهم علي بن محمد فبعث به هرثمة إلى المأمون وترك النهروان وأقام طاهر بصرصر والجيوش تتعاقب من قبل الأمين فيهزمها ثم بذل الأمين الأموال ليستفسد بها عساكرهم فسار إليه من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف ففرق فيهم الأموال وقود جماعة من الحربية ودس إلى رؤساء الجند في عسكر طاهر ورغبهم فشغبوا على طاهر وسار كثير منهم إلى الأمين وانضموا إلى قواد الحربية وقواد بغداد وساورا إلى صرصر فعبى أصحابه كراديس وحرضهم ووعدهم ثم تقدم فقاتلهم مليا من النهار وانهزم أصحاب الأمين وغنم أصحاب طاهر عسكرهم ولما وصلوا إلى الأمين فرق فيهم الأموال وقود منهم جماعة ولم يعط المنهزمين شيئا ودس إليهم طاهر واستمالهم فشغبوا على الأمين فأمر هؤلاء المحدثين بقتالهم وطاهر يراسلهم وقد أخذ رهائنهم على الطاعة وأعطاهم الأموال فسار فنزل باب الأنبار بقواده وأصحابه واستأمن إليه كثير من جند الأمين وثارت العامة وفتقت السجون ووثب الشطار على الأخيار ونزل زهير مسيب الضبي من ناحية ونصب المجانيق والعرادات وحفر الخنادق ونزل هرثمة بناحية أخرى وفعل مثل ذلك ونزل عبيد الله بن الوضاح بالشماسية ونزل طاهر بباب الأنبار فضيق على الأمين بمنزلة ونفد ما كان بيد الأمين من الأموال وأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة وضرب آنية الذهب والفضة لفرقها في الجند وأحرق الحديثة فمات بها خلق واستأمن سعيد ابن مالك بن قادم إلى طاهر فولاه الأسواق وشاطئ دجلة وأمره بحفر الخنادق وبناء الحيطان وكل ما غلب عليه من الدروب وأمده بالرجال والأموال ووكل الأمين بقصر صالح وقصر سليمان بن المنصور إلى دجلة بعض قواده فألح في إحراق الدور والرمي بالمجانيق وفعل طاهر مثل ذلك وكثر الخراب ببغداد وصار طاهر يخندق على ما يمكنه من النواحي ويقاتل من لم يجبه وقبض ضياع من لم يخرج إليه من بني هاشم والقواد وعجز الأجناد عن القتال وقام به الباعة والعيارون وكانوا ينهون أموال الناس واستأمن إليه القائد الموكل بقصر صالح فأمنه وسلم إليه ما كان بيده من تلك الناحية في جمادى الأخيرة من سنة سبع واستأمن إليه محمد بن عيسى صاحب الشرطة فوهن الأمين واجتمع العيارون والباعة والأجناد وقاتلوا أصحاب طاهر في قصر صالح وقتلوا منهم خلقا وكاتب طاهر القواد بالأمان وبيعة المأمون فأجابه بنو قحطبة كلهم ويحيى بن علي بن ماهان ومحمد بن أبي العباس الطائي وغيرهم وفشل الأمين وفوض الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى الحسن الهرش ومعهم الغوغاء يتولون أمر تلك الفتنة وأجفل الناس من بغداد وافترقوا في البلاد ولما وقع بطاهر في قصر صالح ما وقع بأصحابه شرع في هدم المباني وتخريبها ثم قطع الميرة عنهم وصرف السفن التي تحمل فيها إلى الفرات فغلت الأسعار وضاق الحصار واشتد كلب العيارين فهزموا عبيد الله بن الوضاح وغلبوه على الشماسية وجاء هرثمة ليعينه فهزموه أيضا وأسروه ثم خلصه أصحابه وعقد طاهر جسرا فوق الشماسية وعبر إليهم وقاتلهم أشد قتال فردهم على أعقابهم وقاتل منهم بشرا كثيرا وعاد ابن الوضاح إلى مركزه وأحرق منازل الأمين بالخيزرانية وكانت النفقة فيها بلغت عشرين ألف درهم وأيقن الأمين بالهلاك وفر منه عبد الله بن حازم ابن خزيمة إلى المدائن لأنه اتهمه وحمل عليه السفلة والغوغاء ويقال بل كاتبه طاهر وقبض ضياعه فخرج عن الأمين وقصد الهرش ومن معه جزيرة العباس من نواحي بغداد فقاتلهم بعض أصحاب طاهر وهزموهم وغرق منهم خلق كثير وضجر الأمين وضعف أمره وسار المؤتمن بن الرشيد إلى المأمون فولاه جرجان وكاتب طاهر خزيمة بن حازم ومحمد بن علي بن موسى بن ماهان وأدخلهما في خلع الأمين فأجاباه ووثبا آخر محرم من سنة ثمان وتسعين فقطعا جسر دجلة وخلع الأمين وبعث إلى هرثمة وكان بازائهما فسار من ناحيته ودخل عسكر المهدي وملكه وقدم طاهر من الغد إلى المدينة والكرخ فقاتلهم وهزمهم وملكها عنوة ونادى بالأمان ووضع الجند بسوق الكرخ وقصر الوضاح وأحاط بمدينة المنصور وقصر زبيدة وقصر الخلد من باب الجسر إلى باب البصرة وشاطئ الصراة إلى مصبها في دجلة ونصب عليها المجانيق واعتصم الأمين في أمه وولده بمدينة المنصور اشتد عليه الحصار وثبت معه حاتم بن الصقر والحريشي والأفارقة وافترق عامة الجنود والخصيان والجواري في الطريق وجاء محمد بن حاتم بن الصقر ومحمد بن إبراهيم بن الأغلب الأفريقي إلى الأمين وقالا له بقي من خيلك سبعة آلاف فرس نختار سبعة آلاف فنجعلهم عليها ونخرج على بعض الأبواب ولا يشعر بنا أحد ونلحق بالجزيرة والشام فيكون ملك جديد وربما مال إليك الناس ويحدث الله أمرا فاعتزم على ذلك وبلغ الخبر إلى طاهر فكتب إلى سليمان بن المنصور ومحمد بن عيسى بن نهيك والسندي بن شاهك يتهددهم إن لم يصرفوه عن ذلك الرأي فدخلوا على الأمين وحذروه من ابن الصقر وابن الأغلب أن يجعل نفسه في أيديهم فيتقربوا به إلى طاهر وأشاروا عليه بطلب الأمان على يد هرثمة بن أعين والخروج إليه وخالفهم إليه ابن الصقر وابن الأغلب وقالوا له إذا ملت إلى الخوارج فطاهر خير لك من هرثمة فأبى وتطير من طاهر وأرسل إلى هرثمة يستأمنه فأجابه أنه يقاتل في أمانة المأمون فمن دونه وبلغ ذلك طاهرا فعظم عليه أن يكون الفتح لهرثمة واجتمع هو وقواده لهرثمة وقواده في منزل خزيمة بن حازم وحضر سليمان والسندي وابن نهيك وأخبروا طاهرا أنه لا يخرج إليه أبدا وأنه يخرج إلى هرثمة ويدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة وهو الخلافة فرضي ثم جاء الهرش وأسر إليه أنهم يخادعونه وأنهم يحملونها مع الأمين إلى هرثمة فغضب وأعد رجالا حول قصور الأمين وبعث إليه هرثمة لخمسة بقين من محرم سنة ثمان وتسعين بأن يتربص ليلة لأنه رأى أولئك الرجال بالشط فقال: قد افترق عني الناس ولا يمكنني المقام لئلا يدخل علي طاهر فيقتلني ثم ودع ابنيه وبكى وخرج إلى الشط وركب حراقة هرثمة وجعل هرثمة يقبل يديه ورجليه وأمر بالحراقة أن تدفع وإذا بأصحاب طاهر في الزواريق فشدوا عليها ونقبوها ورموهم بالآجر والنشاب فلم يرجعوا ودخل الماء إلى الحراقة فغرقت قال أحمد بن سالم صاحب المظالم: فسقط الأمين وهرثمة وسقطنا فتعلق الملاح بشعر هرثمة وأخرجه وشق الأمين ثيابه قال: وخرجت إلى الشط فحملت إلى طاهر فسألني عن نفسي فانتسبت وعن الأمين فقلت غرق فحملت إلى بيت وحبست فيه حتى أعطيتهم مالا فاديتهم به على نفسي فبعد ساعة من الليل فتحوا علي الباب وأدخلوا علي الأمين عريان في سراويل وعمامة وعلى كتفه خرقة فاسترجعت وبكيت ثم عرفني فقال: ضمني إليك فإني أجد وحشة شديدة فضممته وقلبه يخفق فقال: يا أحمد ما فعل أخي؟ فقلت: حي قال: قبح الله بريدهم كان يقول قد مات يريد بذلك العذر عن محاربته فقلت: بل قبح الله وزراءك فقال: تراهم يفون لي بالأمان؟ قلت: نعم إن شاء الله ثم دخل محمد بن حميد الطاهر فاستثبتنا حتى عرفه وانصرف ثم دخل علينا منتصف الليل قوم من العجم منتضين سيوفهم فدافع عن نفسه قليلا ثم ذبحوه ومضوا برأسه إلى طاهر ثم جاؤا من السحر فأخذوا جثته ونصب طاهر الرأس حتى رآه الناس ثم بعث به إلى المأمون مع ابن عمه محمد بن الحسن بن مصعب ومعه الخاتم والبردة والقضيب وكتب معه بالفتح فلما رآه المأمون سجد ولما قتل الأمين نادى طاهر بالأمان ودخل المدينة يوم الجمعة فصلى بالناس وخطب للمأمون وذم الأمين ووكل بحفظ القصور الخلافية وأخرج زبيدة أم الأمين وابنيه موسى وعبد الله إلى بلاد الزاب الأعلى ثم أمر بحمل الولدين إلى المأمون وندم الجند على قتله وطالبوا طاهر بالأموال فارتاب بجند بغداد وبجنده أنهم توطؤا عليه وثاورا به لخمس من قتل الأمين فهرب إلى عقرقوبا ومعه جماعة من القواد ثم تعبى لقتالهم فجاؤا واعتذروا وأحالوا على السفهاء والأحداث فصفح عنهم وتوعدهم أن يعودوا لمثلها وأعطاهم أربعة أشهر وحلفوا أنهم لم يدخلوا الجند في شيء من ذلك فقبل منهم ووضعت أهل الحرب أوزارها واستوسق لأمر للمأمون في سائر الأعمال والممالك ثم خرج الحسن الهرش في جماعة من السفلة واتبعه كثير من بوادي الأعراب ودعا إلى الرضا من آل محمد وأتى النيل فجبى الأموال ونهب القرى وولى المأمون الحسن بن سهل أخا الفضل على ما افتتحه طاهر من كور الجبل والعراق وفارس الأهواز والحجاز واليمن فقدم سنة تسع وتسعين وفرق العمال وولى طاهرا على الجزيرة والموصل والشام والمغرب وأمره أن يسير إلى قتل نصر بن شبيب وأمره هرثمة بالمسير إلى خراسان وكان نصر بن شبيب من بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر في كيسوم شمالي حلب وكان له ميل إلى الأمين فلما قتل أظهر الوفاء له بالبيعة وغلب على ما جاوره من البلاد وملك سميساط واجتمع عليه خلق كثير من الأعراب وعبر إلى شرقي العراق وحصر حران وسأل منه شيعة الطالبيين أن يبايعوا لبعض آل علي لما رأوه من بني العباس ورجالهم وأهل دولتهم وقال: والله لا أبايع أولاد السوداوات فيقول: إنه خلقني ورزقني قالوا فبعض بني أمية قال قد أدبر أمرهم والمدبر لا يقبل ولو سلم على رجل مدبر لأعداني بإدباره وإنما هو أي في بني العباس وإنما حاربتهم لتقديمهم العجم على العرب ولما سار إليه طاهر نزل الرقة وأقام بها وكتب إليه يدعوه إلى الطاعة وترك الخلاف فلم يجبه وجاء الخبر إلى طاهر في الرقة وفاة أبيه الحسين بن زريق بن مصعب بخراسان وأن المأمون حضر جنازته ونزل الفضل قبره وجاءه كتاب المأمون يعزيه فيه وبعد قتل الأمين كانت الواقعة بالموصل بين اليمانية والنزارية وكان علي بن الحسن الهمداني متغلبا على الموصل فعسف بالنزارية وسار عثمان بن نعيم البرجمي إلى ديار مصر وشكا إلى أحيائهم واستنفرهم فسار معه من مصر عشرون ألفا وأرسل إليهم علي بن الحن بالرجوع إلى مايريدون فأبى عثمان فخرج علي في أربعة آلاف فهزمهم وأثخن فيهم وعادا إلى البلد.